بعد منتصف الليل رن جرس الباب في شقتي ...
  ترى من سيأتينا في هذا الوقت المتأخر؟!  
 في العادة لا أحد يزور احداً في مثل هذا الوقت ...!
 كان الأهل قد ناموا. أبي وأمي ينامان مبكرين، ويصحيان مبكرين على مااعتادا : "نم بكير واصحى بكير تشوف الصحة كيف بتصير". أخوتي لا أحد منهم يبقى خارج البيت بعد الساعة العاشرة ... 
  من الطارق إذن ؟،،
  كنت عُدت لتوي من الجريدة.اوصلني أحمد أبوبكر بالسيارة من المطبعة في الخليج الأمامي في كريتر إلى منزلي في المعلا بعد أن "شيكت" على العدد الذي سيصدر في الغد ،وتركت ماتبقى لمتابعة سكرتير التحرير ، زميلي محبوب علي، وللضابط المناوب ومدير الإنتاج محمد جازم وعامل الطباعةسعيد راوح وبقية العمال كما هو الرتم اليومي ..
 لا أظن أن شيئاً استجد في الصحيفة ، بعد مغادرتي، وحتى لو حدث امرٌطارئ، ونادراً مايحدث ذلك، يستدعي حضوري في هذا الوقت لكانوا اتصلوا على تلفون البيت .... فاستبعدت هذا الاحتمال ..
 لم يترك لي الجرس الذي لم يكف عن الرنين المزيد من التكهن عن ماهية (زائر   
الفجر) هذا ، فغادرتُ سريري على مضض وتوجهتُ إلى الباب :
  - من ؟
 من خلف الباب جاء صوتٌ مألوف لي :
 - افتح يامحمد ..
 ومع ذلك سألته: 
 - من انت ؟
 - انا مخشف ..ايش ماعرفت صوتي ؟!
 - إلّا عرفته ..بس ايش جابك في هذا الوقت ؟!
 - افتح وانت بتعرف ..
 لاجدوى من حوار خلف الباب ، الأهل والجيران ...
 فتحتُ الباب حتى لايرن مزيد من الجرس فيوقظ النائمين. كنت أريد أن اصرخ بالمخشف بصوت عال: هل هذا وقت زيارة ؟ لكن المُفاجأة ألجمتني ، لم يكن وحده :
 - جئت ومعي ضيف .. 
 الأسطورة ..الكابتن علي محسن .اخذني بالحُضن ، صدر عريض ،  وبنيةرياضية
،وبطول اكثر من خمسة أقدام  ، شعر خطه شيب مبكر ، و"كارزيما" وابتسامة تذوب الصخر ..
 قال المخشف :
  - خلي الكابتن يرقد عندك إلى الصبح ..
  لم أدر بما أُجيب، والمخشف خرج ولم يقل المزيد ..
                       □
 أدخلتُ الكابتن غرفة نومي ، لم يكن فيها غير سرير يتيم لايتسع إلا لشخص واحد اشتريته بالمزاد،إذ كنت شبه عازب بعد أن سافرت زوجتي إلى موسكو للدراسة الجامعية.
تنازلت عن السرير لينام عليه ضيفي  ، وافترشت الأرض حتى الصباح ..
 هكذا بدأت صداقتي ذات ليلة، ذات سنة مع الكابتن علي محسن ، أشهر لاعبي كرة القدم في القرن العشرين، لكن لا اتذكر لااليوم ولاالتاريخ . شيءٌ ما قاده في تلك الليلة نحو شقتي ، ربما لوسعيت إليه لماحظيت بمثل تلك الصداقة التي استمرت حتى وفاته عن (54 ) عاماً ..

                         2
  أجمل شيء يمكن ان يحدث لك ان تلتقي بشخص تحبه دون ان تكون رأيته من قبل.على تلك الصورة تعرفت بالكابتن علي محسن ، وعلى ذلك النحو .. 
  كنت نسيت الحادثةكما هي عادتي في نسيان أشياء كثيرة، لولا أن ذكرني بها بعد قرابة نصف قرن صديقي مخشف شخصياً في آخر زيارة له لمصر قبل وفاته في 2021، لكن ابداً لم يغب عن بالي الكابتن علي محسن الذي صار صديقي منذ تلك اللحظة.لم اسأل محمد مخشف لماذا اختارني بالذات ليبات الكابتن عندي من دون بقية البشر تلك الليلة، وطبعاً لم اسأل علي محسن ، فلا أحد يسأل ضيفه مثل هذا السؤال. ليس من عادتي أن استنطق احداً ، مالم يرد أن يحكي هو عن ذلك ، وقد يتأخر ذلك سنوات عديدة. أمي الغالية قامت بواجب الضيافة عندما صحونا ،وعرفت ان عندي ضيفاً ،لم تسأل من يكون ، وحتى لو قلت لها لما شكل ذلك فرقاً عندها،فهي ابعد ماتكون عن عالم كرة القدم ونجومها ، ولاتعرف اسم نادِِ من الأندية في عدن ، ناهيك عن أي مكان آخر في العالم .وفي حياتها لم تسألني عن أسماءضيوفي على كثرتهم ، وفي كل مرة تقوم بواجب الضيافة على طريقتها المُعتادة ( الجُود من الموجود ) فلم تكلفني يوماًعبء
(عزومة )،خاصة انني كنت آتي بضيوفي فجأة،وأغلبهم كانوا زملائي في" اكتوبر" الجريدة،أو يأتون فجأة على غير توقع كما علي محسن في تلك الليلة.
                        3
لكن لم يكن غريباً بالنسبة لي ، فقد كان صيته يملأ الآفاق كواحد من أشهر لاعبي كرة القدم في القرن العشرين الفارط. كان نجماًمن الأكثر شهرة في مصر والعالم العربي ،واحداً من الذين يملأ صيتهم الدنيا ،ويشد سمعك اسمه، مثله مثل 
 كبارمشاهير ستينيات القرن العشرين المنصرم، كان عصر الكبار بحق في السياسة والثقافة والفن وعالم الرياضة، نحبهم ونتمنى رؤية احدهم ولو لحظة خاطفة ، فمابالك حين تسوقه لك الأقدار من غيرموعدولاميعادولاتوقع !
 لم أسأله يومها ولابعدها عن أي شيء.    قلت اترك ذلك للظروف. وأوضح الرجل من خلال خطواته اللاحقة بأنه لايزال قادراً على العطاء، إن لم يكن كلاعب وقد اعتزل في السادسة والعشرين من عمره بعد إصابة الملاعب التي كانت السبب الرئيس في تركه لها،لكن كمدرب بما اكتسبه من خبرة خلال سنوات من اللعب في المستطيل الأخضر..
كان اسمه وخبرته ورغبته كلها تؤهله لأن يقوم بهذا الدور الأخيرلبلده..وقد فعل على أحسن وجه...
                      4
على حافة البحر ،في واحد من أشهر موانيء العالم ، بل الثاني بعد نيويورك 
ولد علي محسن في "بروسلي " أحد الأحياءالشعبيةفي التواهي في 16  سبتمبر1940م، لكن اصوله تعود إلى مُريس على "الحدود" بين مملكة الإمام وإمارة الضالع ، جده كان شيخ القبيلة، و سكان تلك المنطقة يشعرون أنهم أقرب إلى عدن والجنوب منه للشمال ، وكانت عدن محل أنظار كل من يبحث عن تحقيق حلمه في الثروة والعمل والتعليم بعكس مملكة الإمام المغلقة، وكان والده ممن قصدوا عدن واستقر في التواهي حيث ولد ابنه علي الذي سيصبح نجماً كروياً مشهوراً ...
  بدأ لعب كرة القدم مع اقرانه في سن صغيرة في الأراضي الفضاء في حيه التواهي.كان الطفل يتمتع بموهبة استثنائية مقارنة بالأولاد في سنه ، فانضم إلى "نادي الغزال".
  يبدو أن القدر كان يرسم للطفل علي محسن مجداً لم يكن ليحلم به في عمره ذاك ، وخط سير لم يكن ليحققه في حواري واندية كرة القدم في عدن ، رغم    انهاعرفت كرة القدم قبل كل البلدان العربية. ادخلها الانجليز الذين احتلوا 
عدن سنة1839، عن طريق جنودهم الذين كانوا  يمارسونها في معسكراتهم ، فاجتذبت إليها الشباب العدني الذين اخذوا يلعبونها في الحارات إلى أن نشأ أول نادي في عدن سنة1902،تبعه نادي الاتحاد المحمدي في كريتر في1905
 أول نادي كروي في العالم العربي، وكان يتبارى مع فرق الجيش البريطاني في عدن وفرق الأساطيل التي تزورها،، وسرعان ماانتشرت اندية كرة القدم في أحياء المدينة ، وكان نصيب التواهي نادي " الغزال" الذي تحول اسمه إلى نادي الشعب ، وفي زمن لاحق إلى نادي الميناء بعد الدمج الذي تم مع نادي شباب التواهي بعد حركة دمج الأندية الذي شهدته عدن سنة 1973 .
                      5 
   لا ادري لماذاارسله والده محسن المريسي في العام 1950 إلى مصر للدراسة وهو في العاشرة من عمره،رغم ان التعليم كان منتشراً في عدن بجميع مراحله، حتى انه كانت توجد فيها كلية للتعليم العالي منذ سنة 1910م. 
شيء ما كان يقود الطفل نحو قدره ..
  كان الفراق قاسياً على طفل في العاشرة أن يترك كل شيء وراءه ، الأهل، والأصدقاء، ورفقة اللعب والطفولة ، ومسقط الرأس ،، ويشد الرحال إلى المجهول ! 
  لكن قدره كان يسوقه إلى حيث يصنع مجده... وكانت مصر يومئذومازالت (أم الدنيا )وسيرسم ذلك مصيراً للطفل ربما غير الذي أراده له والده .
 يعتبر حي الدُقي بالجيزة، الذي سكنه الطفل علي محسن مع اسرة مصرية ،،
 من أقدم أحياء الجيزة وأكثرها نشاطاً، فهو حي سكني تجاري في نفس الوقت وظل المكان المفضل لسكن اليمنيين  ، لكن بعد أن كثرت اعدادهم صاروا يفضلون السكن في المنيل، ثم المناطق الشعبية الأقل سعراً في الإيجارات، في فيصل وأرض اللواء واماكن أخرى. كان هاجسه لعب كرة القدم ولاشيء آخر، فلعب في حواري الدُقي، ولفت الأنظار اليه من خلال لعبه بشكل متواصل .. 
 لامعلومات لماذا رفضت الثانوية الإبراهيمية انضمامه إليها في العام الأول من وجوده في مصر، لكن عندما قبلته في العام الثاني انضم إلى فريقهاالكروي
،وتألق في صفوفه،وتم اختياره أفضل لاعب في البطولة الكروية على مستوى المدارس الثانويةبالقاهرة. هنامنحته الثانوية حق السكن المجاني في داخليتها وراتباً شهرياً قدره عشرة جنيهات ،كان يعتبر ثروة في ذلك الوقت لتلميذ . 
                        6
شيء ما كان يقود الفتى نحو قدره ..
 اكتشفه المدرب الزملكاوي محمدقنديل 
(وهو غير المطرب) الذي أعجب بمهاراته، ويبدو أنه كان يتابع خطواته فضمه إلى نادي الزمالك عام 1956م وتولاه بمزيد من الرعاية رياضياً لكن شهرته الحقيقية في مصر بدأت بعد خوضه نهائي كأس مصر في صفوف الزمالك أمام الأهلي عام 1958م على ملعب الترسانة وقد سجل هدفاً من هدفي الفوز الزملكاوي (2/ 1) وكان عمره 18 عاماً فقط...
 • سجل هدف فريقه الوحيد في مرمى ريال مدريد في مباراة ودية قامت بينهما 
 سنة1961م
 •بلغ ذروة تألقه الكروي مطلع الستينات من القرن الماضي عندما حقق لقب هداف الدوري المصري كلاعب محترف   في نادي الزمالك أعوام1960م، 1961م، 1962م، بشكل دفع الشارع الرياضي المصري للمطالبة بمنحه الجنسيةالمصرية لكنه فضل التمسك بجنسيته .  
•شهد موسم 64-65 بداية تراجع علي محسن، إذ رغم تتويج الزمالك باللقب إلا أنه كان ملازماً لمقاعد البدلاء في أغلب المباريات وانخفض مستواه بشكل كبير، واستمر هذا التراجع في الموسم التالي، وهنا وبحسب ما تردد في عديد التقارير المصرية قام اتحاد الكرة بشطبه من سجلاته بتوصية من أحدالشخصيات
 المؤثرة، التي غارت من شعبيته الكبيرة في مصر لأنه احس انها لاتتسع لهما معا، ليغادرها عام 1966، بعد 16عامًا أمضاها  في المحروسة ملكاً غيرمتوج للمستديرة ، لكنه عاد إلى مصر مرات أخرى وكرمه نادي الزمالك في  حفل كبير أقيم بمقر النادي عام 1992م.
                         6
   عاش السنوات الأخيرة من حياته في
 صنعاء قادماًإليها من عدن ، فلم يطق البقاء فيهابعد أن رأى البلاد تذبح نفسها من الوريد إلى الوريد !  
  في صنعاء ، حاول تحقيق آخر أمنية له ، وهي كتابة ذكرياته او مذكراته ، وكان يشعر بالحاجة إلى توثيق شيء عن تاريخه ومجده الكروي للأجيال ، فأخذ يواصل جمع كل ماكتب عنه خلال اعوام  في الصحف المصرية والصحافة في عدن وصنعاء وبلدان عربية أخرى، وربما ماكتبته عنه صحف واقلام اجنبية خاصة بعد الهدف الذي سجله في ريال مدريد ، والهزيمة التي ساهم في الحاقها بفريق "وست هام يونايتد"، التي انتهت 1/5 لصالح الزمالك والتي أصدر بعدها الرئيس جمال عبدالناصر قرارا بمنح الفريق وسام الجمهورية، حتى أن صحيفة ديلي اكسبريس الانجليزية صدرت يومها برسم كاريكاتوري ل" ابو الهول" مبتسما تعبيرا عن فرحته بهزيمة فريقهم في مصر .
                        7
  في عدن ، لم تتح لي فرصة اللقاء بعلي محسن كثيراً، إذ كان منهمكا بتدريب فريق الميناء، والفريق الوطني لليمن الديمقراطية، بينما كنت منشغلاً في عملي في جريدة"14اكتوبر"، وبعد ذلك بوزارة الخارجية،ثم سافرت إلى المانيا الديمقراطية في دورة علاقات دولية ، ومن ثم إلى موسكو ملحقاً إعلامياً في سفارتنا لدى الاتحاد السوفياتي،ولم نلتق خلال هذه السنوات مجدداً إلاّ في صنعاء ..وصدق من قال " العلاقات ليست بالمُدة بل بالمودة" .
                        □
المرات التي التقينا فيها في عدن كانت محدودة وعابرة ، في نادي الميناء ، او في " الكريسنت أوتيل" مكانه المفضل قريباً من النادي ومن شقته التي
خصصتها له الحكومة في التواهي .كنت أتابع تعليقاته الذكية الإحترافيةعلى مباريات كرة القدم التي تقام في ملعب الحبيشي في كريتر وتنقل عبر إذاعة عدن. اللهجة المصرية كانت غالبة عليه بحُكم انه عاش في مصر منذطفولته.
وخلال تلك اللقاءات لم نناقش أية مشاريع من أي نوع ، كما إن الكابتن رغم نجوميته وشهرته الواسعة في عالم كرة القدم لم يكن يتحدث عن نفسه كثيراً، خاصة في الجلسات الخاصة. والمرة الوحيدة التي استطعت أن أقف على بعض سيرته كانت خلال اللقاء الذي تناولت فيه مشواره في الحياة وخاصة مشواره الكروي في البرنامج الأسبوعي الذي قدمته لتلفزيون عدن ( مشوار )،
وطبعاً من الصعب أن تبوح بكل شيء 
 في برنامج تلفزيوني !
واستضفت في حلقات البرنامج الذي لم يستمر سوى دورة برامجية واحدة عدداً من نجوم الطرب والرياضة. وممن كانوا ضيوفي الفنان الكبير محمد مرشد ناجي ، والفنان العذب محمد عبده زيدي ، والشاعر المصري المُقيم في عدن زكي عمر .
                        8
  في صنعاء، فاتحني الكابتن لأول مرة برغبته في كتابة ذكرياته،وإصدارها في كتاب يروي فيه تجربته ليس في كرة القدم فحسب، بل في الحياة .. فرجل مثله عاش كل تلك الحياة تحت الأضواء ، وعاصر لانجوم الكرة فقط ، بل نجوم الفن وربماالسياسة ، حتما كان لديه الكثير ليحكي عنه ،حتى تستفيد من تجربته الأجيال ، وتتجنب الأخطاء التي وقع فيها واثرت على مسيرته الكروية، وتجربته في الحياة . 
 كان يريد أن يكتب عن نجوم الكرة الذين عاصرهم: صالح سليم ، وحمادة إمام ، ويكن ، وابو رجيلة، والجوهري وغيرهم . وعن نجوم الكرة العالميين بيليه ، بوشكاش ، زاجالو، عموبابا ، الذين واجههم في المستطيل الأخضر ..،وربما كان سيكتب عن جمال عبدالناصر الذي ارسله للعلاج في لندن من إصابةملاعب خطيرةفي ركبته ، وعن تكريم الزعيم الخالد له. فقد عاش السنتين الاخيرتين من حكم الملك فاروق واسرة محمد علي، وبزوغ ثورة يوليو1952و عصر مصر عبدالناصر وصعود القومية العربية ، ومساعدة مصر للثورة اليمنية ضد حكم الإمامة، ووقوفها مع ثورات التحرر ومع ثورة الجنوب .. عاش عصر الكبار في الكرة والغناء والثقافة والسياسة.
  وربما سيكون اكثر سخاءا وصراحة في ذكرياته "المكتوبة" مما في لقائه التلفزيوني معي فيكتب عن آخرين أساءوا له وكانوا سبباً في خروجه من مصر ..
  وعن قصص حب عاشها هُناوهُناك لم يكتب لها النجاح. وربما آثر عدم الخوض فيها حفاظاً على مشاعر من أحبهن، وربما لأن هذا من النقاط الحساسة والخطوط الحمراء التي يصعب الخوض فيها كمافي ثقافتنا الشرقية !!
                       9
  قعدنا عدة مرات في بيتي بحدةووضعنا
 مخططاً للكتاب ، على أن نستكمله. لكن الكابتن كان يؤجل الموضوع كل مرة،، ويبدو أنه لم يكن في وضع مستقر ومهيأ يسمح له جمع شتاته ورواية ذكرياته، فلم يكن له بيت فيها، إلى درجةانه كان يحتفظ بداخل سيارته بكل ثروة عمره من قصاصات الصحف والمجلات التي جمعها طوال سنين ، وكان يعتمد عليها كمراجع ووثائق في كتابة جزء من مذكراته !
وتدرون ماذا حدث ؟! 
سرقت السيارة بكل محتوياتها ،، وكانت تلك اكبر خسارة يتعرض لها النجم الكبير في حياته ، فتبخر أمله في كتابة ذكرياته.
  سافرتُ بعدها إلى دمشق سنة 1992
وبقي الكابتن في صنعاء حيث توفي يوم السادس والعشرين من نوفمبر 1993م .
صعب جدا أن تكتشف كم انك وحيد في هذه الحياة .. والعمر الجميل الذي عشته لم يبق منه إلا القليل ، ولم تعد تسمع هدير الملايين التي كانت تستمتع بلعبك واهدافك ، والأصدقاء على كثرتهم انفضوا من حولك ، وحتى ثروتك الوحيدة سرقت منك ..ومابقي من عمر لن يسعفك بشيء ..
 المدينة التي بخلت عليه بسكن ، وسرق مجهول سيارته وثروة عمره ، أطلقت اسمه على أكبر ملاعبها ( المريسي) ولكن لم يكن حياً ليرى اسمه يتصدر اكبر ملاعب كرة القدم في صنعاء ..
  والمدينة التي ولد فيها التواهي ، ودرب فريقها الميناء ، وفريق اليمن الجنوبي الذي حقق به الانتصارات ، أطلق اسمه على الشارع الذي سكن فيه ، وينظم الاتحاد الكروي مسابقة كروية سنوية باسمه.لكن ايضا بعد موته !!
 الخلاصة أن علي محسن جلب شهرة لليمن اكثر مما جلبت له ..
 وحقق لها انتصارات كروية أكثر مما حققت له ..
                        10
 لم يعش علي محسن ليرى ملايين الدولارات او اليورو التي تشتري بها الأندية الأوربية وحتى العربية النجوم المحترفين ..
 بكم ياترى كان سيُشترى نجم باسطورة علي محسن لو عاش حتى وقتنا هذا ؟!
  ربما لم يكن ليحزن ،، فقد كان النجم الكبير الذي عاش حياة المشاهير في مصرصيتاً،لارصيداً، غير رصيده من حب الجماهير التي كانت تهتف له ،، لا يحفل بالمال كثيراً ، بدليل انه رفض عرضاً للعب لأحد الأندية الكويتية، وفضّل العيش بأجر قليل كمدرب لأندية فقيرة في مقديشو،وعدن وصنعاء ...
                      11 
 أطلق عليه المصريون (ابو الكباتن )، و(الهداف ) ، ( والهرم الرابع) وهو لقب لم يطلقه المصريون إلاَّ على سيدة الغناء العربي ام كلثوم .أما المعلق الرياضي الشهير لطيف فقد أطلق عليه ( علي اطلس )..
                       □
هكذا هو قدر اليمنيين لاكرامة لهم في وطنهم .. وربما يحسون بالاغتراب في وطنهم أكثر من أي مكان آخر ،،  والشعوربالغربة داخل الوطن أسوأ أنواع الغربة، انها نار وخوف ورهبة ولاتستقر على حال .
 عانى علي محسن من الوحدة ..
 ومن الغربة ...
 كرس حياته للكرة ولم يتزوج ،، كانت له مثل البلسم ..
أينما ذهب كانت ترافقه،، ومثلما حقق الانتصارات لاعباً، حقق الانتصارات مدرباً للفرق الوطنية ، بعد ان اعتزل اللعب وترك مصر .فقاد فريق الطليعة الصومالي "هورسيد" كمدرب في موسمين متتالين 1972م ـ 1973م إلى إحراز بطولة الدوري الصومالي وبطولة شرق إفريقيا، كما ساهم في الإشراف على منتخب الصومال الوطني.ودرب اندية الشعب والميناء والهلال في صنعاء وعدن، ودرب وقاد العديد من المنتخبات اليمنية وحقق معها عدداً من الإنجازات والانتصارات التي لا تزال الجماهير اليمنية تتغنى بها حتى الآن.
                        12                   
  في إحدى الأمسيات جلسنا نتفرج في بيتي بصنعاء انا والكابتن على (حديث المدينة) الفيلم الوحيد الذي مثله علي محسن سنة 1964بطولة سميرة أحمد وشويكار ، ونجم الزمالك عصام بهيج ، وطه إسماعيل نجم الأهلي السابق، ونحو 14لاعباً من نجوم الزمالك من بينهم الشاذلي ، شحتة، الفناجيلي، الروبي، حمدي فراج، رفاعي ، عبده نصحي، احمد صالح، وريفو . ودارت أحداث الفيلم حول لاعب كرة قدم تتسبب فتاة في تراجع مستواه ويساعده زملاؤه في العودة إلى ماكان عليه مجدداً .
 قال لي بعد أن شاهدنا الفيلم ( فيديو)  انه لم يكن راض عن تجربته السينمائية تلك ، وهي الوحيدة على أي حال ، لكنه خاضها على انها شيء جديد، ولم يرد أن يصبح نجماً سينمائياً فقد كان نجماًكروياً له جمهور بالملايين.الظريف ان الصحفي مفيد فوزي مثل في نفس الفيلم دورا صغيرا وهي تجربته الوحيدة في التمثيل ، وايضا لم يكن راضيا عنها.
على اي حال لم يكن علي محسن النجم الوحيد الذي يخوض تجربةالتمثيل فقد سبقه نجم الأهلي صالح سليم الذي كانت المنافسة بينهما شديدة الذي خاض هو الآخر تجربة السينما بفيلم ( الشموع 

السوداء )1962أمام نجمة الغناء نجاة الصغيرة الذي حقق نجاحاً بعد فشل تجربة فيلمه الأول(السبع بنات) ، لكنه امتنع عن خوض تجربة التمثيل مجدداً رغم ان النقاد اشادوا بادائه التمثيلي في الشموع السوداء.لربما اقتنع الثنائي صالح سليم وعلي محسن من تلك التجربة بانهماخلقانجمين كرويين لانجمى سينما ...
                      13
 ولأنه خريج الكلية الحربية في مصر بدرجة ملازم ثاني، جرب علي محسن التدريس فدرس في مثيلتها في صنعاء ، لكنه اكتشف انه لم يخلق ليكون معلماً ، ولا حتى عسكرياً ، إذ لم يجد فيها اية رغبة ولامتعة ..
 واية متعة تضاهي كرة القدم ..ساحرة الملايين حول العالم ؟!!..
 لم يفكر في أي شيء آخر يجلب له السعادة غير كرة القدم ، فكرس لها حياته لاعباً، ومدرباً، ومعلقاً،، ومتفرجاً. ظلت النغم الذي ينام ويصحوعلى موسيقاه ، وإن شئتم هدير الملايين في المدرجات .
                       □
  حتى الآن عندما استقل التاكسي في القاهرة، خاصة إذا كان سائقه من كبار السن ، يتذكر الكابتن علي محسن بمجرد ذكر اسمه ، فتدرك أن الزمن لم يبتعد إلى ذلك الحد ، وانه مازال في الوجدان المصري شعلة متقدة لاتخفت ابداً...
 تمنحنا كرة القدم هذه الساحرة الجميلة فرصة الاَّ نخاف مِن نسيان مَن كانوا السبب في أن نحبها ونحبهم إلى حد الجنون اللذيذ ..
                        □
 لاتساوي هذه المتعة سوى متعتي في الكتابة....