بعد عام من الرحيل .. اكتب اليك
أجد نفسي عاجزة عن الكتابة عنه، حتى بعد عام من الرحيل الأبدي. أعذرني أستاذي محمد، فبعد ما يقارب العام أُفرغ ما تجيش في صدري من مشاعر حزينة، كانت مخزونة، منذ ذلك اليوم الكئيب، يوم تلقينا الخبر الصادم.. خبر مغادرتك دنيانا الفانية، في مستهل مايو. كان وفاتك مفاجئاً، كنتَ تجلس على كرسيك وتحادث رفيقة حياتك، أم ريام وتطلب كأساً من الماء وحين همت بتلبية طلبك، تسكت أنت عن الكلام؟! كانت الصدمة شديدة عليها، مما أفقدها توازنها.. حفظها الله.
أعذرني أستاذي محمد مخشف، على تأخري، قرابة العام، في الكتابة عنك. تشتتت أفكاري ووجدت صعوبة كبيرة في لملمتها والبدء برص الكلمات والمفردات التي تليق بقيمتك وبمكانتك في قلوبنا، كإنسانٍ حفر اسمه في أروقة صاحبة الجلالة، منذ خطواته الأولى في بلاطها والذي تربع، في فترة وجيزة، مناصباً قيادية وهو في مقتبل العمر، بسبب نبوغه وثقته بنفسه وتحديه وتجاوزه للصعاب، حباً في مهنة المتاعب الذي كبر وتجذر ليضحى عشقاً أزلياً، حتى آخر رمق في حياته. شهدت نبوغه، صحفٌ عدنية، حملت مشعل التنوير في زمن التنافس السياسي والفكري، هي (الأيام وفتاة الجزيرة والطريق والنهضة.. إلخ).
اليوم، في ذكرى ميلادك (2 مارس) وهي بالمناسبة، أيضاً، ذكرى ارتباطك بشريكة حياتك، المُحِبة التي كلما التقيها، تكون أنت حاضراً معنا، رغم غيابك وكأننا معاً ثلاثتنا، كما كنا في تلك الأيام الفائتة، القريبة والبعيدة، في عدن وفي القاهرة، آه.. ما أجملها تلك الأيام التي كنا نتبادل فيها فيض قلوبنا الموجوعة، عن الوطن المنهوب وصحيفة 14 أكتوبر، المنكسرة وعن عدن، أم المساكين التي انهكتها الجروح.. كنت تحمل أوجاع الوطن فوق أوجاعك الناتجة عن مرضك الذي داهمك ولم تمد يدك لأحد، كنت نزيهاً، متعففاً، حسبك ما قسمه الله لك، بل كنت تبسط يدك للمحتاجين والمعوزين من الأقارب وأناس لم يعرفهم أحد، حتى اليوم، لأن ذلك كان لوجه الله، لا تنتظر جزاءً ولا شكورا.
استاذي محمد مخشف، ستظل نبراساً يضيء لنا طريقنا، حتى وإن أصابنا وهن السنين؛ فأنت ملك الخبر الذي وضع بصماته في الصحافة المحلية والعربية والعالمية، طوال خمسة عقود ولم يتوج أحد غيرك في بلاط صاحبة الجلالة. تعلمنا منك فن الصياغة الخبرية، قبل تعلمها أكاديمياً. وقد أفضت عليّ فخراً، حين أدليت بشهادتك عني، في إحدى المقابلات الصحفية معك لإحدى الصحف المحلية، بإعجابك بأسلوبي في الكتابة وتذكرك تلك الفتاة التي لا يتعدى عمرها التاسعة عشر وهي تتلمس طريقها نحو عالم محفوف بالمتاعب ولكنها استمرت وتحدت الجميع لتحقق حلمها وتختارها أنت، دون الآخرين، بعد سنوات عدة، لتكتب في صحيفة (الاقتصادية) السعودية، في فنون الكتابة الصحفية الأخرى (الاستطلاعات، المقابلات والتقارير) وكانت تجربة جديدة، أضافت لي الكثير من المعارف، كنتَ الموجه والمعلم.
مهما كتبنا وأفضنا يا أستاذنا، فإننا عاجزون عن الإيفاء بحقك. نم قرير العين أيها الإنسان النبيل والكريم والنزيه؛ فذكراك في أعماقنا ما حيينا. كما لم ولن ننسى زملاءك، زملاءنا وأساتذتنا، محمد عبد الله فارع، شكيب عوض، عبد الله شرف، القرشي عبد الرحمن، معروف حداد، علي فارع سالم، أحمد سالم الحنكي، جعفر عيدروس والقائمة تطول.. رحمة الله عليك وعليهم جميعاً.
كم نتمنى أن تتعرف أجيال الصحافة، في بلادنا، عن هؤلاء الرواد والأوائل الذين حفروا في الصخر وعبّدوا لنا الطريق، فلم نعد نتذكرهم ونتذكر ابداعاتهم الأدبية والصحفية ولم نفسح لهم المجال للتعرف عليهم في مدرجات كلية الصحافة، في جامعة عدن، من خلال كتابة الابحاث عنهم، او على سبيل المثال، تناول بعض القضايا المثارة، في زمانهم وانعكاسات كتاباتهم على الواقع، آنذاك. هل من مستجيب؟! أليس هذا حقاً علينا؟