عدن ضحية المحيط القبلي
هناك من يشتط غضبا من مطالب أبناء عدن , ويردد العبارة الماسخة عدن عاصمة للجميع .
وإن كانت عاصمة , لها هويتها الخاصة وثقافتها المميزة وخصوصيتها الغير .
عاصمة تعني انها الارقى والأفضل , وعليها ان تكون الرائدة , ومنبر التنوير والوعي والثقافة المدنية .
عندما كانت عدن رائدة , كان مجتمعها المدني هو الرائد , ويتمخض أدوات البناء والتنمية , وهي أدوات مدنية راقية , تتمخض آمال وتطلعات الناس في المستقبل المنشود والتحول الموعود , فكانت الأفضل والاروع .
وبعد الاستقلال أصبحت مستباحة من قبل أدوات القبيلة والعصبية والعنف والعسكر , وغزتها فيروسات تلك المجتمعات و ثاراتها واحفادها , وتم تفكيك المجتمع المدني , والتخلص من أدواته وكوادره بمسميات عدة , لتكن السطوة لتلك العقليات المثخنة بالعصبية , وللأسف بعضهم درس في ارقى جامعات العالم , العلم لم يرتقي به لمستوى التحديات , بقي أسير العصبية متذرع بثارات وتراكمات .
استبيحت بعناوين مختلفة منها حماية (مرحلة الثورة الوطنية ) , التي أغلقت عدن تحت سطوة فكر واحد , وتم التخلص من كل الأفكار الأخرى , بل مضايقة كل ما هو مختلف عن ذلك الفكر , مما سبب صراعات بينية , وتراكماتها لازالت لليوم تنتج ثارات وأحقاد وضغائن وكراهية .
في كل مرة تحاول عدن ان تكون الرائدة بأدواتها المدنية , تأتي سطوة القبيلة والعشيرة , تحت مبرر انها العاصمة , تجثم على كاهل عدن المدني , وتحقنه بفيروسات عفنة , و تسمم ذلك المجتمع , وتشق نسيجه , وتصدع طيفه الجميل , وتفكك تلك اللوحة الجميلة بألوانها الزاهية , لتخلق في ما بينها حالة من التنافر , لتشكل لوحة مبتورة الألوان , قبيحة المنظر , محطمة المدنية , راكده المخاض , مغلقة ثقافيا وفكريا وسياسيا , وبالتالي اقتصاديا , مهزومة في معركة تنافسية , تفوق عليها من اهم اقل منها مقومات وكفاءة وموقع استراتيجي وهبها الله .
رغم كل ذلك لم تمت عدن , ولديها القدرة لتنهض وتستعيد مكانتها , وفي كل فرصة متاحة تستعيد عدن فيها نفسها , تعود لتكن رائدة , وكانت في عهد ابنها البار الشهيد جعفر محمد سعد على طريق الريادة , بعد ان حررها أبنائها الاشاوس , لكن المؤامرة كانت اكبر مما تتصوره عدن , عاد منافسيها في الإقليم يحيكون سيناريو غرقها بصراعات المحيط القبلي , وتقييدها بتشكيلات مناطقية وطائفية على أساس مذهبي وإثني , وعاد الصراع القبلي السلالي يعطل ويعبث بعدن من كل نواحي الحياة .
وهي اليوم قرية بل أسوأ من قرية , محقونه كراهية وعصبيات , ويحكمها عقليات قادمة من المحيط القبلي , بل يتصارعون على إدارة مرتكزاتها الاقتصادية ومؤسساتها الحيوية , استبيحت أراضيها , واذل واهين أبنائها وكل فكر مدني عقلاني معتدل فيها , ليس عبطا بل سياسية ممنهجة لتكن بعد كم سنة غير صالحة للاستثمار , ولا توجد بها مقومات المنافسة الاقتصادية والتجارية , بل لتكن مدينة غير قابلة للحياة , لا امن ولا امان لا خدمات ولا السبل الضرورية للحياة ,فكيف اذا تنافس دون مقومات ضرورية للاستثمار , وقد قسمها الوزان بما تشتهي أطماعه .
حتى الممارسات الغير سوية , والفساد المستشري وايراداتها المنهوبة وخيراتها المستباحة , هي سياسة تهدف لتغيير ثقافي وسلوكي يدمر تراكمات الإرث الجميل لعدن , الذي ورثته في حقبة ريادتها ونهضتها , هو تواصل لتدمير الإرث التاريخي والمعالم والشواهد الدالة على كل ذلك .
للأسف الهوس العاطفي الذي تفوق على العقل والمنطق , جعل البعض من أبنائها يتحول لمعول هدم لعدن , ويبرر ما يحدث فيها من انهيار قيمي وأخلاقي ومؤسسي , يبرر للعنف القائم والانتهاكات , ويبرر استباحة أراضيها وجزرها التابعة والمكملة لمقوماتها كميون وسقطرى , تحت هوس عاطفي نكاية بالخصوم ,وتوظيف ذلك الهوس من قبل أعداء عدن التاريخيين , والنتيجة اليوم حال عدن الذي يصعب على الكافر .
هناك من فهم , وهناك لم يفهم بعد , وتبقى عدن ضحية هذه الزوبعة من المصالح والانانية , والهوس العاطفي والغباء والتهور والشطط , والمستفيد هم من تحسنت أحوالهم , وجاعت عدن , شيدوا القصور والعمارات فتحوا المولات والاستثمارات كنزوا الأموال , واحتموا بالسلاح , بسطو ونهبوا , وقتلوا واستباحوا اغتالوا وسجنوا وعذبو , وعملوا كل شي في قاموس الظلم والقهر والتعسف , والاقصاء والتهميش , وضاع في عهدهم قاموس العدالة والعدل والحرية والمساواة والدولة التي ننشدها , فشلوا واعذار فشلهم قبيحة أقبح من ذنوبهم .