شُرْب رباح وقت الظهيرة
مقبل أحد أصدقائي الأوفياء ، هو شاعر وأديب ولديه من علوم العربية وأخبار العرب الكثير ، ولا أنكر أنني أحد المعجبين بثقافته وسرعة بديهته ، وعندما تضيق بي الأحوال ألجأ إليه لعلي أجد لديه من الحكمة ضالتي ، ومن الزاد خيره ... وخير الزاد التقوى . وكأي مواطن في هذه البلاد يشكو من الغلاء الفاحش في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية وتدهور العملة وغياب الكهرباء ونضوب المياه واختفاء وقود المركبات والآلات الزراعية تارة ثم عودته تارة أخرى ولكن بأسعار خيالية ...... أما فيما يخص الفكر أو غذاء العقل فالمصيبة أعظم ، فقد اختفى الكتاب وقبله المؤلف ثم رحل القارئ وشكا القلم من ويلات الهجر لأن السبابة التي كانت ملتصقة به أصبحت مغرمة بالزناد فبالأخير قد يتوفر مايسد الرمق من متاع الدنيا ...أجل غاب الوعي واستوحشت الثقافة وعزت الحكمة ووئد الضمير وعرج في السماء الخوف من الله فتبعه التراحم وأصيبت الأخلاق في مقتل .... وهنا عربدت الثعالب ورقصت الفئران فانتشرت الأكاذيب وقدست الخزعبلات وصدقت الأوهام وتسلط الظلم وخيم الاستبداد وتسلقت القرود أعلى المراتب وأصبح الحق غريبا والباطل معروفا ووووووووو ..... وبعد أن استشعرت بكل هذه المصائب والأوبئة ، قررت أن أقوم بزيارة لصديقي مقبل لعلي أظفر منه بشيء من الدواء يخفف هموم الفكر ويبلسم بعضا من آلام القلب ... فما كان من مقبل إلا أن حيى بحضوري واستبشر خيرا بمقدمي ، لكنه بعد أن سمع شكواي ولمس مبكاي تنهد نهدة أحسست حرارة لهيب نارها تكاد تكون أشد من حرارة القطر الذي أفرغه ذو القرنين على سد يأجوج ومأجوج ....ثم قال : إن مايجري في بلادنا ياصديقي أشبه مايكون بحال الرباح عندما تتسابق على مناهل الماء وقت الظهيرة في أيام الصيف الملتهبة بالحرارة ..... فقلت له : لقد أوجزت وأصبت في خطابك المقتضب ياصديقي العزيز مقبل ......